الاثنين، 17 نوفمبر 2008

لقــــــــــــ أخير..! ــــــــــــــــــاء


...في لهفة لم يشعر بمثلها قبلا..تملكت قلبه مشاعر متضاربة وهو يتحسس برفق ورقة جبهته العزيزة ويمر بيديه المشفقتين على وجنتيه الوضاءتين...لا يتخيل أنها آخر مرة يرى فيها تلك الابتسامة الواثقة التي ارتسمت على وجهه..حتى لتكاد شفتاه مفتوحتان!!!
تلك الابتسامة التي لم يتخل عنها أبدا طول حياته في كل المواقف يسرا كانت أو عسرا!!
ابتسامة واثقة تنم عن يقين في الله قوي!! واجه بها دوما كل مشاكله وتحديات الحياة له..
سبحان الله العظيم! حتى في ذلك الموقف لم تفارقه تلك الابتسامة!!!
ولكنها هذه المرة ابتسامة من نوع خاص!!!........
إن البطل يبتسم الآن لأنه بالتأكيد رأى شيئا لا نراه...شيئا كان يحلم به وعاش من أجله...فهنيئا لك يا بطل!!

لا زال يتحسس وجنتيه...كيف سيفارقه؟!!
هل سيجرؤ على تركه يرحل بعيدا..بعيدا...؟!!!

في تلك اللحظات مرت أمام عينه كل المواقف التي قضياها معا..في صباهما تحديدا!
حينما ذهبا ذات عشية إلى تل البلدة المهجور..حاملين معهما مشعلين صغيرين...ذلك التل الذي يخافه الصغار ويحذر منه الكبار!!!لما توارثه أهل البلدة جيلا بعد جيل من أن كل من يذهب إلى التل فلا يعود!!!-خزعبلات شعبية!!!
ولما كان من تربية البطلين معا على عقيدة الإسلام الصافية المتينة..ولما كان أيضا من شجاعة البطلين وجرأتهما غير العادية...فلم يتوجها قاصدين التل إلا لما كان بينهما من تنافس على من سيصمد الليل بطوله في التل...ودون تراجع!! ...الليل بطوله دون نوم ودون طعام أو شراب ودون صحبة أيضا!!!بل كل منهما في ناحية مختلفة من التل بعيدين عن أحدهما الآخر!!
...وإنما الليل بطوله صلاة ودعاء وتفكر!!
تذكر كيف أمطرت السماء في تلك الليلة مطرا غزيرا وأرعدت بشكل مخيف!!
فما كان من كل منهما -خوفا على الأخر من شدة المطر والرعد-رغم الجلد والثبات إلا أن ترك موقعه وذهب باتجاه أخيه!!
فإذا بهما في منتصف الطريق وعند صخرة كبيرة صلبة يلمحان أحدهما الآخر!!!
فيقفان كل في مكانه ويكتفيان بالابتسام لبعضهما البعض ثم ينصرف كل منهما إلى موقعه ليستأنف رباطه من جديد!!.........

****************************
****************************

....وبعد فترة من الليل طويلة وقبيل الفجر حين السحر...كيف تبادر إلى ذهن كل منهما أن ما أجمل ركعتين في جماعة!!!
فقام كل الى اتجاه الآخر...وإذا بهما يتقابلان ثانية عند نفس الصخرة الموعودة!!فما أروع توارد الخواطر!
ودون أن يقترح أحدهما فهم كل منهما مقصد الآخر...فصليا ركعتين ...ثم ركعتين...حيث تبادلا الإمامة!
وتذكر الفتى ما كان من دعائهما العذب في تلك الساعة المميزة من الليل ...وبكائهما معا..خوفا من الذنوب وطلبا للنصر من الرب المنان الحنان-سبحانه!

يا إلهي...لم ينتبه فتانا لنفسه الآن إلا وقد بللت الدموع وجهه وصدره وتساقطت على وجه أخيه الحبيب ..الممدد بلا حول ولا قوة..فدخل بعض دموعه إلى فم أخيه المفتوح قليلا جراء ابتسامته !!
فكانت تلك الدموع آخر ما دخل إلى جوفه ولم يخرج!!
مرت أمام عينه كذلك أيام دراستهما سويا..كيف كانا متجاورين في كل مدرسة ..كيف تقاربت أرقام جلوسهما..ودرجاتهما كيف تبادلا المركز الأول عاما بعد عام!!
كيف ارتادا الجامعة العزيزة إلى قلبيهما لالتزام القائمين عليها واتباعهم لدين الله-الجامعة الإسلامية!!
كيف دخلا معا لأول مرة إلى قاعة المحاضرات الخاصة بعلوم الطب...أين جلسا...وفيما فكرا ...وكيف استمعا الى الشرح بانتباه آملين أن يتفوقا ويخدما الإسلام بعلمهما!!
كيف مرت أيام الدراسة بحلوها ومرها...أيام انقطعت الكهرباء...وكيف ذاكرا تحت ضوء الشموع!!

فريق كرة القدم بالجامعة..كيف كانا نجمي أي مباراة!!كيف فاز فريقهما بالكأس وتأهل للبطولة الدولية على مستوى الجامعات !!
كيف حملهما زملاؤهما على الرءوس والأعناق لحظة الانتصار!!.......

*****************************
*****************************

...تذكر الفتى حين استشهد أبوه!!وأصبح المسئول الوحيد عن أسرته !!
حين اسودت الدنيا في عينه وتملكه الأسى!!
إذ حبس نفسه في غرفته يبكي لفراق أبيه ويشكو الى الله وحدته!!
كيف فوجئ حينها بمن يدق باب حجرته حاملا معه التباشير والآمال !!!
فإذا به أخوه-بطلنا-الحبيب يحتضنه بقوة ويربت على كتفه ويقبل رأسه ويصبره بقوله :أنت رجل بطل ! كيف تبكي وأخوك الى جوارك؟!! والله لنلقنن أولئك الاوغاد درسا لا ينسوه وليدفعن ثمن ما حدث اليوم غاليا من دمائهم الخسيسة...

***************************
***************************

ازداد بكاء الفتى ونحيبه واحتضن أخاه الملقي بلا حول ولا قوة...احتضنه الآن مثلما احتضنه هو في شدته سابقا!!
قبل جبهته وتحسس شعره وقد بللته دموعه كأنما غسل جيدا!!
يا إلهي...كيف سأفارقك يا فتى ؟!!..وعلا نحيبه........
...ولكن فتانا الآن انتابه شعور مختلف...وهو الأولى والأصح في هذه الحال!!
...أما أنت يا أخي الحبيب..فقد أفضيت الى ربك شهيدا ...قد اوقعت في عدو الله الهزيمة وأصبتهم بالنواح!!
وها أنا ذا أرى الابتسامة على وجهك..فهنيئا لك يا حبيبي ما أنت فيه الآن..وكعادتك دائما تسبقني!!
ها قد تركتني وحدي!
أخي الحبيب لعله آخر طلب أطلبه منك ...اسأل الله يا أخي وأنت ذو كرامة عنده-كما بشرنا هادينا عليه الصلاة والسلام-اسأله سبحانه أن يختم لي بما ختم لك..ولكم جميعا..
إنها والله أغلى غاية..أن أقتل في سبيل الله في ميدان شرف عند الله ... ميدان نصر لأمة الحبيب-صلى الله عليه وسلم..و على يد أعداء الله..بعد أن أوقعت في جنودهم الإصابات وأصبتهم بالهم والغم...قاتلهم الله!..ردا على عدوانهم على مسجدنا المبارك وإكمالا لمسيرة جهادنا الذي لن ينتهي إلا بعودة قدسنا وأقصانا الى رحاب الإسلام والمسلمين..
إلى لقاء يا حبيب عمري ورفيق دربي
الى لقاء في جنات عدن-وأنه لرجاء في الله المنان!!
في مقعد صدق عند مليك مقتدر
إخوانا على سرر متقابلين

أو تعرف ...وصدقني لا أجاملك هذه المرة!
...سأفتقدك أيها الغالي ...
....ولن أنساك أبدا....
سأزورك -مش هريحك مني يعني-كل ليلة!
أحكي لك الأحوال وأشحذ من ذكراك الهمة ... لإكمال المسير وللصبر على هذه الحياة..
عسى الله يشفق لحالي ويجمعني بك قريبا على خير ..عاجلا غير آجل..
إلى لقاء سأعيش على أمله..السلام عليك أخي الحبيب...
اللهم كن لي وثبتني بعده!!

******************
********************


جالت بذهني هذه الخواطر وتملكت وجداني حين رأيت شهداء القسام الأربعة الذين ارتقوا في الغارة الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة .. يودعهم ذووهم-تقبلهم الله بعفوه وألحقنا بهم على خير!!

هناك تعليق واحد:

  1. لسه اللي في بالي ما دخلتش لتكتب تعليقا...
    ماشي يا غالية!
    مستنياكي

    ردحذف

تفضل بتعليق أو مناقشة..بوركتم